الإرث
كهل في الثمانين من عمره ، محدودب الظهر وعيناه غائرتان في محاجرهما الجلدية المشرئبة ، نظراته كالبحر العميق من كثرة الفكر والهم . كان يأتي من قريته البعيدة يتوكأ على عكازه ليستجدي المساعدة لأحفاده الذين استشهد والدهم ، وعاد ليعيل أسرة من جديد .
كان يكفيه النزر اليسير ، لا بمتطلب ولا بطامع ، لمحة البؤس تسبقه وعكازه تشتكي وطأة الجور والحرمان ، جلده المطوي كصحراء جافة يشتكي مرارة الأيام .
غادر ابني في الصباح ولم يعد ، انتظرنا طويلا ، عاد محملا على الأكتاف ، قنص غدرا ، كان يعبر الطريق ، والله ابني ماله دخل لكن حظه العاثر قاده من تلك الطريق ليلقى مصيره وقدره ، ودمعته سبقت نهاية كلماته مبتلعا ريقه وعيناه تئنان من الدمع والحسرة .
يقص عليك حكايته مع الزمن ، يجول في زوايا الذكريات وكيف أضحى مسؤولا عن كوم من اللحم خلفه له ابنه .
*عدت لأربي من جديد، والله الحمل ثقيل لكن ما باليد حيلة ، ربي أطال عمري لأقوم بهذه المهمة ، ويتنهد بزفرة تشق الصخر الأصم .
يتناول ما يسره له الله من رزق ويمضي يجر أحمال السنين ويختفي مع زاوية الطريق .