الجمعة، 31 يوليو 2015


..... صديقتي : أحضني بيديك الحانيتين دميتي ، إنها بعض هدايا جدتي إليك. أو تعلمين ما هو قدحي إنه :
" من وحي السوق "
غاليتي رنا: لقد كان أول لقاء لي بالجدة نعيمة في إحدى أسواق العاصمة الكبيرة ، حيث المكان يعج بالضجيج وأصوات الباعة والمشترين تطاول عنان السماء ، كل هذا وتلك الجدة ما زالت جالسة لا تبرح مكانها ، ومقلتها الدامعة لا تفارق ممتلكاتها من خواتم نحاسيه ودمى جلدية وهدايا رائعات ، أثارتني حالها ؛ فاقتربت منها متسائلة عن ماضيها ، فإذا بها على مشارف السبعينات من عمرها وقد راقصت رياح الخماسين أوراق خريفها الصفراء الذابلة ، وباتت ثكلى بفقد معيلها الوحيد ، وهكذا بلغت بها المصائب كل مبلغ ؛ حرقت أضلاعها وأدمت فؤادها .
طال عناء الجدة واشتد شقاؤها إلى أن اهتدت أخيرآ لهذا العمل وسط هذا الزحام البشري الهائل ؛ فاستبسلت كاشفة عن ساعديها المعروقتين ، عاقدة ذوائبها البيضاء بمنديل أسود قاتم ، يعكس ماضيها المظلم ، زاولت أعمالها متحدية شيخوختها إلى أن أصبحت جزءآ من تلك السوق ؛ فاطمأن اهل السوق والغادون لتلك الجدة ، وتفاءلوا بتقاسيمها الطيبة ، فأصبحوا يبتاعون أشياءها تبركآ منها .
طوبى لتلك الجدة الرائعة ؛ فلها منا انحناءة وقبلة ، تحية إجلال ممزوجة بخواطر وأشعار وبعثرات أقلام هدايآ لها في هذا المساء ~
القدح الثامن
المقهى القديم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق